top of page
  • صورة الكاتب

جرة ذهب - الحلقة التاسعة

جلسنا جميعا تحت الشجرة في ضيافة الحاج سمامه، وطلب منه حسن أن يحكي لنا عن طبيلة وعلاقته به، اعتدل سلامة وعدل عِقال رأسه، وكأنه شيخ كبير يتوسط أفراد قبيلته، وتنهد ثم قال:

- صلوا على النبي المختار.

ردَّدنا عليه أفضل الصلوات وأجلّ التسليم، ثم خاض في حديثه بلهجة قروية متسارعة، فلم أفهم بعض ما قال، ولاحظت أن مرادًا لم يفهم شيئا، فقاطعته متحدثًا بالعربية الفصحى، طالبًا أن يراعي أني ومراد أتراك، فتفاجأ حسن ومراد، وبدا عليهما الخجل، ورغبت أن أقول لحسن "أنا أبو بريص يا ابن الكلب" ولكني اكتفيت بما سببته لهما من حرج.

عاد الشيخ الكبير سمامه ليكمل حكايته:

- قبل أن أروي لكم قصة طبيلة وعلاقتي به، يجب أن أحكي لكم قصة الغولة التي سكنت المغارة.

أضحكنا جميعا، إلا أنه أخذ يقسم الأيمان على أن قصة الغولة لها علاقة بطبيلة، فأصغينا له، ولم يبدأ قصته بـ"كان يا ما كان"، ولكن بدأ بدراما العرب المعتادة حول الولد اليتيم الفقير كما جرت العادة:

- تم جرَّ والدي على يد رجال الدَّرك، وعلمنا أنه ذهب إلى حرب في بلاد بعيدة، وكنت في العاشرة من عمري، وأخي حسين يكبرني بعام واحد، وكان لنا عم غليظ القلب، قاسي الطبع؛ حين بلغه خبر موت أبي أجبر أمي على الزواج منه، بحجة أنه يرغب في تربية ولدي أخيه تحت جناحيه، ولم يكن رحيما بنا بل استغلنا أسوأ استغلال؛ نرعى أغنامه من الفجر حتى الغروب، وزواجه من أمي قد وفر له راعيين غنم لا يكلِّفونه أكثر من رغيف خبز يوميًا.

كُنَّا صغيرين لا حيلةَ لنا، اعتدنا الرعي جنوب رام الله، وفي أحد الجبال حيث الكثير من المغاور، اعتدنا ترك الأغنام ترعى والاختباء خلف الصخور لمراقبة ظهور الغولة التي شاع بين الناس أنها تسكن إحدى هذه المغاور، وبعد مضي أشهر رأيناها تتجول من بعيد، فعرفنا المغارة التي تسكنها. لم نجرؤ على دخول المغارة، وكنا كل يوم نقلص المسافة بعض الشيء، وفي إحدى المرات رأينا الغولة تغادر مغارتها، فاعتقدنا أنها ذهبت لصيد أحد الأولاد لتأكله.

وما إن ابتعدت حتى دخل أخي حسين مغارتها، ثم عاد مرعوبا، وأخبرني أنه رأى أم الغولة تسكن المغارة، وقد أوشكت أن تأكله، فهربنا معًا وتجنبنا الاقتراب من تلك المنطقة ثانية.

مرَّت السِنون وتناسينا قصة الغولة، ومات عمي وأخذت زوجته وأولاده كل شيء، حتى حقنا فيما تركه أبي، وكنا حينها في الخامسة والسادسة عشر، عملنا بالزراعة ورعي الغنم، وشاءت الصدف أن نعود إلى منطقة سكن الغولة، ولأننا أصبحنا أكثر شجاعة مما كنا عليه في زمن الصبية قررنا أن نذهب إلى المغارة مجددا؛ لنكتشف حقيقة الغولة؛ وحينما اقتربنا متسلحين بعصي صُلبة، وخناجر حادة كانت المغارة فارغة؛ لقد رحلت الغولة.

سبحان الله! تعثر أخي بحجر، فأصر أن يحفر تحته، فوجدنا صرة فيها خمس عصمليات عدنا بها إلى أمي فرحين، وروينا القصة للمرة الأولى، فأكدت على أن هذه الغولة لم تؤذ أحدا من قبل، بالرغم من أنها سمعت بسرقتها بعض الخِراف، ومذ يومنا هذا تغير حالنا وفتح الله علينا أبواب رزقه، فتزوجنا وأنجبنا، وذهب أخي لحج بيت الله الحرام، وبعدها أردنا شراء أرض حظنا الواقعة بجوار المغارة، ولم نستطع لكونها ضمن ممتلكات الدولة، وقبل سبع سنوات ذهبنا إلى المغارة كعادتنا، ووجدنا شابا ضخما، ملبدًا شعره، عاريًا جسده، تكسوه القذارة، فراودنا شعور بأنه ابن الغولة.

بدايةً أصابنا الخوف، فلم نقربه، ولكن حين انزوى في هدوء شعرنا بالاطمئنان، وحاولنا التحدث معه فلم يستجب، فاعتقدنا أنه أبكم، وعندما أحضرنا له طعاما التهمه.

مرت الأيام ونحن نحضر له الملبس والمأكل ونعتني به، وكأن في رقبتنا دَين يتوجب علينا سداده، ثم اصطحبناه إلى بيتنا للعيش معنا، حتى أصبح فردا من العائلة، ولم يكن ينطق إلا كلمة واحدة لم يتوقف عن تردادها: طبيبه طبيبه" وهكذا اعتدنا على مناداته باسم طبيلة"

لم يرو "سمامه" القصة بهذا الاختصار، بل كان يصف مفصِّلاً، وبخاصة بطولات أخيه حسين الفارس المغوار، ولو لم أشغل نفسي بمراقبة أمر آخر شد انتباهي بالقرب منا، لاقتنعت أيضا بأن طبيلة غول ابن غولة، ولفغرت فاهي كما فعل العرب الذين صدقوا هبل الشيخ "سمامه"، وقصته السخيفة عن طبيلة والغولة. تركتهم غارقين في سذاجتهم، وهربت مسرعا عندما بدأ الحكواتي جوهر يقص علينا بدوره قصة غولة أخرى اعتادت أكل الأولاد.

عدت إلى لصوص الكهف؛ البيك وحيان؛ وأثناء طريقي إليهم مررت بجانب صناديق الخشب ملقاة على الأرض، والتي مازالت تثير حنقي، وكأنها وجدت –فقط- لإثارة جنوني لولا أني روضت نفسي على تجاهلها.

ومما لاحظته وأثار استغرابي اليوم تلك النظرات التي تبادلها الجندي حسن مع حيان، والطريقة التي تعمد بها كلاهما تجاهل الآخر، أكاد أشك في وجود علاقة ما تربط الاثنين، ولعله لم يكن غريبا! فالجندي حسن جاء من نابلس، وحيان خدم في تلك المناطق.

من بعيد أطل علينا الدليل الأجرب، وأخذ ينبح بأعلى صوته:

- بعد ساعة سنتحرك، تزودوا بالماء. رحلتنا طويلة.

علق البيك على الفور:

- وهل نحن سنشق الصحراء؟

حيان:

الماء وفير بهذه البلاد، ولكن الاقتراب منه يعني الاقتراب من البشر.

هزَّ البيك رأسه:

عظيم...عظيم، قافلة لصوص لا يجوز أن يراها أحد.

تحركت القافلة وسرنا ما يقارب الساعة، وهمس حيان بأذني "هذا المكان مناسب للاختفاء والاستكشاف". لم تمر دقائق حتى تسللت خفيةً خلف الصخر والشجر، وقتما قام البيك وحيان بإشغال الغراب، وحين تحركت القافلة تسلقت تلَّةً مشرفة على الطريق للمراقبة. سبقني حيان للاستطلاع، بينما أردتُ التمهل قليلا قبل اللحاق به، ولمَّا سمعت عواء ذئب تحصنت مكاني حتى تراءى من بعيد ثلاثة أطياف تتحرك في ضوء القمر، وسرعان ما تبين أنهم ثلاثة من الأغربة يسيرون خلف قافلتنا وأمام قافلة أبي سعد.

القافلة تطالع من بعيد وما وصلت إلى التلة لحين، وحينما قاربتْ حدثت نفسي: حيان رجل عسكري مدرب ولا يعجز عن تدبر أمره؛ فلا حاجة له في مراقبتي؛ فهرولت مسرعا للعودة إلى قافلتي الحقيرة، وكان عليَّ أن أسبق القافلة والحراسة التي تتقدمها، ركضت وتعثرت مرارًا، وكدت أتسبب في كسر ساقي، ثم اكتشفت أني ضللت طريقي، لا أدري كيف حدث ذلك! وقفت حيرانًا، ثم آنستُ نارا فسرت تجاهها، وكانت لمجموعة من عرب البادية فلم اقترب، ويبدو أن الحظ -أو ربما قدري- قد أوصلني إلى قافلتي قبيل بزوغ الفجر، وفي حذر ولجت داخل القافلة التي ما زالت تسير ببطء.

لم تمر نصف ساعة حتى التحق بنا حيان، وشعر بالارتياح عند رؤيتي، أما أنا فلفقتُ قصة لأبرر هربي، وترك ظهره مكشوفا، لكنه لم يسأل أو يهتم. ولو فعل لأخبرته عن شجاعتي بالتصدي لعشرات الذئاب التي هاجمتني، وبالتأكيد ما كنت لأعترف لهذا الحقير بأني ضللت طريقي كالأحمق، أو بما اعتراني من خوف عند تخيلي ذئابًا تلاحقني.

أخذ يفصل الحديث عن الطرق الاحترافية التي يتواصل بها الغربان فيما بينهم، وعن لغة الإشارات التي يتواصلون بها مع القافلة على الرغم مما يفصلهم من مسافات متباعدة، وأخبرنا بأنه لم يشاهد عسكريًا برفقتهم، بل مجموعة من الخدم تخرج برفقه الملثم وأبي سعد بحرص شديد، ويقومون بالحفر والدفن وتدوين الملاحظات، ولا شك لديه في أنهم يقومون بإخفاء أشياء ثمينة، وأنهم حريصون ألا يراهم أحد حتى الحرس، فعلق البيك:

- قافلة علي بابا والأربعين باشا، يبدو أن بعض اللصوص أرادوا إخفاء جزء من الغنيمة للعودة لاحقا.

حيان:

- إنهم أكثر من لصوص؛ التكتيك يدل على احتراف وتدريب عالٍ.

روهان:

- لا تشغلا بالكما بالتفكير؛ هذا تكتيك لصوص يقف خلفه طربوش عظيم. ويبدو أن اللصين قررا سرقة جزء من غنيمة الطربوش الكبير، والاحتفاظ بها، لهذا حرصا على أن تكون الحراسة بعيدا، كي لا يكون هناك شهود عيان.

وهنا تدخلت معارضًا رأيه:

- طبقًا لكلام حيان؛ لقد شارك الكثير من الخدم في الحفر، وهذا عدد كافٍ من الشهود.

البيك ضاحكًا:

- يا عزيز، في هذه الدولة يسهل التخلص من عشرات العرب والخدم، ولكن اختفاء عسكري من أصل تركي يثير التساؤلات.

أكد الملازم على قولة البيك بِناءً على ما عاينه في البلقان؛ لقد كان يُقتل الجنود العرب دون أدنى اهتمام بأسمائهم، بل كان يُشار إليهم بالأرقام؛ يتمادى في حكوه، وألاحظ تناغم نبرته -عند حديثه عن العرب- بالكثير من التعاطف الذي لا يليق بعسكري سابق.

اقترحت عليهم مدعيًا المزاح بينما كنت جادًا:

- ما رأيكم بأن نعود ونخرج ما دفنوه بعد انتهاء الرحلة؟

برقت عينا حيان ولم يستطع إخفاء اعجابه بالفكرة، أما البيك فقال:

- حذارِ يا أولاد التفكير في هذا، أسرار الباشوات تموت معهم، ادفنا هذه القصة، ولا تخوضا في الحديث عنها أبدًا، مثل هذه القافلة تعج بالجواسيس، دعونا نلتزم الهدوء حتى تنتهي هذه الرحلة.

وفي تلك اللحظات عاودني ما كان من البيك في أيام ولَّت؛ فكم استغل فضولي لدفعي للتعلم، والتخلص من بلادتي، وإعادة ثقتي بنفسي! عندما شعر أني أفكر في الهرب من رفقته المملة اصطحبني معه إلى غرفةٍ كبيرةٍ ملآنةٍ بالصناديق الخشبية وقال:

- يا عزيز...هذه الصناديق سافرت إلينا من كافة بقاع الأرض ووصلت إلى هذا القبو وحتى هذه اللحظة لا أعرف ما تحويه ربما في أحدها رأس الإسكندر المقدوني أو مومياء كليوبترا، أو سيف آخيل، أو تاج جنكيز، والآن سأمنحك الشرف باختيار أحد هذا الصناديق.

وبدأ يعلمني كيفية الاقتراب من الصندوق، وتحريكه، وكذا طريقة نقله إلى المكان المخصص لفتحه، دون إلحاق الضرر بمحتوياته، وبعد محاضرة طويلة قمت بنقل أحد الصناديق، وانتظرت أن يأذن لي بفتحه، فرماني بنظرة خبيثة، وقال:

- في الغد سنفتحه أمَّا الآن فاذهب وأعدّ لي الطعام.

وذلك اليوم غيَّر حياتي، أخذت أعشق العلم الذي كرهته بالأمس، وأمضيت كل ما يتطلب من الوقت لأقرأ أي كتاب يطلب مني البيك البحث فيه عن كلمة أو رسمة.

اشتعلت نار فضولي بعدما علمت أن قافلة أبي سعد تسير على أثرنا، وانتهجت رسم خرائط ذهنية أختزنها في ذاكرتي، لرصد الأماكن المرجحة للدفن، ومما أقلقني كثيرًا ما بدا لي من قيام الملازم حيان بمثل ما أفعل، لابد أن خبرته العسكرية ستكون له عونًا، لقد ندمت على تسرعي ولفت انتباهه لهذا الأمر، سيكون هو الأوفر حظًا بالعودة واستخراج ما تم دفنه، لخبرته بهذه البلاد.

هذا اللعين سرق مكانتي عند البيك، وسيسرق خطتي...في لحظات أصبحت على مشارف الوشاية به حتى يتم القبض عليه بتهمة التآمر وتهريب الآثار مع البيك...هي أفكار عابرة راودتني، وما كنت لأخون البيك أو أتسبب بأذيته.

مر الليل، وأشرقت شمس الاثنين في هدوء، ووصلنا بئر ماء بواد تحيطه الصخور، وتطوع سلامة وطبيلة لمساعدتنا في إنزال حمولة الدواب ليتفحصها بطريقة أو أخرى، ولم يتوقف عن التحاذق في محاولة سرقة بعض الأسرار، وهو يجهل أني أكثر منه جهلا. هذا الأحمق اعتقد أننا القافلة السرية التي تحمل النفيس والثمين، كما اعتقد أني قائد عظيم القدْر بهذه القافلة، ولن أنكر استمتاعي كثيرا بظنونه وبنظرته لي.

أمضينا النهار بجانب بئر؛ بدا أنها حُفرت زمن الرومان، ماؤها بارد، وبالرغم مما نزحناه منها إلا أنها بقيت ملآنة، استحممنا بالعراء، وحرص أحد العرب -واسمه عبد القادر- أن تنال الدواب نصيبها من حمَّام منعش ينفض عنها آثار الحر والغبار.

غربت الشمس، وحافظ القمر على نضارته، وعاودت قافلتنا طرقها الوعرة متحاشيةً الاقتراب من أماكن تواجد البشر.

ندور في حلقات مفرغة، وكأنه قد أصاب الخبل قواد القافلة؛ طفنا حول أحد الجبال مرتين، وحين لاحظ البيك ذلك، أخذ يردد بصوت عالٍ:

- لبيك اللهم لبيك.

ووقتها سأل البيك:

- هل فلسطين كبيرة إلى هذا الحد ليستغرق وصولنا إلى أية مدينة كل هذا الوقت!

ضحك حيان:

- جواد أصيل يستطيع أن يسبق الشمس شرقا وغربا، ويبدو لي أن أدلة القافلة يهدرون الوقت متعمدين.

فسأله:

- هل تستطيع أن تحدد لنا موقعنا الحالي؟

ضحك وقال:

- كنا قريبين من نابلس، وتحولنا إلى الغرب، ثم اتجهنا جنوب السبع، وإن لم أكن مُخطئًا فها نحن نعود باتجاه نابلس ثانية.

لقد خرجنا مرات إلى أرض مكشوفة، ومنها إلى وديان، ومررنا بالقرب من تجمعات يهودية –على حد قول حيان- وحينما اقتربنا من جبال نابلس مع اقتراب الفجر، عاد الدليل وقادنا باتجاه عين ماء، وطلب منا أن ننال قسطًا من الراحة ونعتني بالدواب وأخبرنا بأننا سنتحرك بعد العصر.

سبق جوهر الحكواتي القافلة ليؤم المصلين لصلاة الفجر، فامتعض سلامة لهذا التعدي السافر على مكانته كإمام، وبعد انتهاء الصلاة هبَّ الجميع متعاونين في إنزال الحمولة، وبذل طبيلة الجهد الأكبر كعادته، أما جَمال الدين الذي لا يبذل جهدا لإزعاج ذبابة حطت على أنفه، دبَّت فيه النخوة -وما كان من أهلها- وأسرع بصحبة جوهر لمساعدة حيان في إنزال صناديق الخشب، لاكتشاف محتوياتها، ولم يخفَ على البيك نوايهما فسخر قائلاً:

- أنزِلوا الصناديق بحذر حتى لا يتحول ما فيها من ذهب إلى حجارة.

لم يضحك إلا حيان، وعلى إثر قهقهته سمعنا إطلاق نار كثيف، اعتقدنا أنهم الجند في طليعة القافلة، توقفنا بِناء على أمر الدليل، وما هي إلا لحظات وإذا بجنود الطليعة قد عطفوا أعنَّة الخيل وهرعوا لاستكشاف الموقف ومعهم المسلح الذي رافق الدليل لاستطلاع الأمر، أما الغراب الأسود فقد تقهقر إلى أن بلغ المؤخرة، وأشهر سلاحه وأطلق سبع طلقات متتالية في الهواء، تفصح عن تحذير القافلة الأخرى.

تمر الدقائق متسارعة، وما زال إطلاق النار مستمرا، ثم هدأ دويّه تدريجيا وتسمرت أعيننا في انتظار عودة الجند، وهنا سمعنا صراخا بالعربية والتركية:

- ألقوا أسلحتكم...ارفعوا أيديكم. (سلاهن ات فه ألارين كالدر)

وأول من ألقى سلاحه ورفع يديه، كان حسن وتبعه مراد؛ جنديان شجاعان، يحميان ظهر القافلة.

أما الغراب فقد كان شرسًا رافضًا الاستسلام في معركة محسومة، فاشتبك معهم حتى نفدت ذخيرته، وفر هاربًا، ثم تبين لاحقا أنه لقى حتفه، لا رحمة الله عليه...انصاع الجميع لأوامرهم، وأمسك سلامة بيد طبيلة ورفعها؛ لقد كان حريصا على حياة فيله أكثر من حرصه على حياته.

عشرة من العرب يحيطون بنا، يتقدم بعضهم نحونا شاهرين أسلحتهم، ويصرخ أحدهم علينا بالتركية آمرًا بالجلوس محذرًا من ارتخاء الأيدي، قاموا بتفتيش القافلة ومصادرة المتاع، وبعثرة ما لا يرغبون فيه، حتى وصلوا إلى الصناديق الخشبية، فتهللت وجوهم ولم يصبروا على فتحها بتمدن، بل حطموها في همجية.

عيناي تترصد كل حركة حول الصناديق، وكنت أرغب أن أسرع لمساعدتهم في فتحها، لرؤية ما فيها قبل أن ينهبوها. اقترب قائدهم وألقى نظرة فتجهم وجهه، وأخذ يصرخ بهستيريا عربية:

- (شو هاظا يا ولاد الحرام؟)

- >>>>>>>> نهاية الحلقة التاسعة<<<<<<<<



٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page