من اللافت للنظر أن جودت جَمَع الخيام الثلاث في الخيمة التي جلست فيها، وجعل لها مدخلا واحدا، وكانت مكدسة بالعديد من الأشياء؛ صناديق، أكياس الخيش، سرج حصان، مصابيح، حبال، بُسُط وسجاد، والكثير من الحقائب المغلقة، ولكن الخيمة التي اتخذها مسكنًا كانت نظيفة جدا، توسطتها طاولة وحولها أربعة مقاعد متواضعة كتلك التي يستخدمها الجيش، فوقها الكثير من الكتب والدفاتر والأقلام، ومصباحٌ فاخر، وعلى طرفها كان فِراشه مطويًا بعناية، وفوقه عدد من المناشف حرص على طَيِّها أيضًا، وفي الجانب الأيمن كانت مجموعة من الأحذية تم صفها كطابور العسكر، وبجوارها ثلاثة حقائب مفتوحة مملوءة بأغراضه الشخصية...الطريقة التي رتب بها ثيابه لم أرَ لها مثيلا إلا في بيت نازلي هانم، ومما جذب انتباهي أنه علَّق سيفًا قديمًا مقابل فِراشه، وكأنه حرص أن يراه قبل نومه، ويبدو أن له مكانة عاطفية خاصة في قلبه، ربما لجد أو والد مُتوفَّى، وكانت هناك خرائط قديمة على أحد المقاعد، وأوراق عليها الكثير من الرسوم والرموز، وتكرارها واختلافها يؤكد أنها من ابتكاره، وربما هي التي يقوم إيليا الأمهق بنقشها بجوار الجِرار...استطعت أن أرسم صورة أولية لشخصية جودت أفندي مما رأيته في خيمته، فهو يمضي أغلب وقته في القراءة والكتابة، ولديه هوس النظافة والترتيب، وهذا يشير إلى نشأته في بيت مليء بالنساء.
عدتُ إلى زاويتي التي ابتعدتْ عنها الشمسُ قليلاً وظللتها صخرة، فإذا برشيدٍ قد ضاق به الوادي ولم يجدْ غيرَها، للحظات فكرت أن أحمل حقائبي بعد ان تأكدت أنه لم يفتشها، وأبتعد، ولكني فضلت عدم التنازل عن موقعي المتميز لمراقبة الجميع؛ وبخاصة أنه قريب من خيمة الكعب، ويمنحني القدرة على مراقبة النهدين فور خروجها، جلست بجانب الصخرة متجاهلا وجوده، وهمست له طالبا أن ينصرف إلى مكان آخر حتى لا ينتبه إلينا أحد، رد بكلمات سوقية:
- لا يهمني فليقبِّلوا مؤخرتي أبناء القَحْبَة، هم الآن في حاجة إلينا لنحفر وندفن لهم الذهب، وبعد ذلك سيقتلوننا جميعا، وإن كنت تعتقد أن تظاهرك بالحُمق سينجيك من الموت فأنت مخطئ.
يبدو أن حرارة الشمس قد أفقدته رشده، فقلت له:
- لن يقتلنا أحد إن التزمنا الصمت ولم نتدخل فيما لا يعنينا، لا نتكلم، لا نسمع، لا نرى، وسنعود سالمين.
رد ساخرا:
- نعم... نعم...سنعود سالمين وسيكافئون كلاً منا بجرة ذهب أيها الأحمق.
- أتمنى أن تلتزم الصمت وتتوقف عن ثرثرتك، احفر، ادفن واخرس حتى تنتهي الرحلة.
فقال ساخرا:
- احفر ادفن يا عزيز أفندي، ومع الجرة الأخيرة ستُكافأ برصاصة في رأسك[Tk1] .
فقلت له في خباثة:
- اهربْ إذًا وانجُ بحياتك إن كان هذا ما تعتقد.
ضحك ببلاهة متوهمًا ذكاءه، وقال:
- لن أهرب وأترك كل هذا الذهب خلفي، اصدقني القول يا عزيز، ألم تفكر في سرقة بعض هذه الجرار؟
فاجأني بسؤاله فأشحت بعيني، وأجبته:
- لا حاجة لي في الذهب، لم ولن أفكر فيه أبدا.
ضَحِكَ بصوتٍ عالٍ، ثم انضم إلينا سلامة بعدما ناداه رشيدٌ، وعلمت أنه لم يكن ليثق بي لكونِي تركيًّا، وأن رشيدًا نفسه مَنْ عزز ثقته بي لعلاقتي بحيان وروهان...لم أشعر بالراحة لمثل هذا الاجتماع الغبي؛ سيثير حولي الكثير من الشبهات. أعاد سؤاله عليَّ أمامَ سلامة:
- ألا تخطط لسرقة الذهب؟
فأكدت على أن هذا الأمر لم يخطر ببالي قط؛ فقال:
- أنت كاذب يا عزيز أفندي، دور الأبله الذي أتقنته وأقنعت به الجميع يدل على أنك فكرت وخططت، وجميعنا حلم وفكر وخطط لسرقة جرة ذهب أو أكثر، أغلبنا يعلم مكان دفنها، ولن يجد أحدنا صعوبة في العودة إليها، لهذا سيقتلوننا؛ لأنهم على يقين بأننا سنعود ونبحث عن طريقة لصرف الجان الذي يحرسها.
ضحكتُ سرًا؛ فهذا العربي اقتنع بهراء الكعب ورقصة السعادين، ولديه إيمان راسخ بأن الجان تحرس الذهب، ولكنه أصاب في توقعه النهاية التي تنتظرنا جميعًا؛ فبعد الانتهاء من الرحلة لا أعتقد أن الكعب سيأتي إلينا ويرجونا ألا نعود لسرقة الذهب، أو سيطلب أن نتعهد له بشرفنا ألا نفعل ذلك. إنه لمشهد هزلي؛ أن يطلب منا الكعب الانتظام في طابور وأن نرفع أيدينا، ونردد خلفه:
- أقسم بالله العظيم وبشرفي ألا أعود لأسرق الذهب.
ثم يحذرنا:
- إن الله سيحاسبكم إن حنثتم اليمين، هيا اذهبوا بسلام يا أبنائي الأعزاء.
تساءلت سرًا لو كنت في مكانه هل سأسمح برحيل أحد عرف مكان الذهب، وحفرة عميقة لدفننا أضمن وأقل تكلفة؟ فسألته:
- ماذا تريد أن تفعل؟
فرد:
- بالقرب منا لا يوجد إلا الشيخ طبرق وخادمه بيبرس والباشا، أمَّا الدليل ومرافقه المسلح فلا يقتربون منا كثيرًا، وإن خططنا جيدًا واخترنا الوقت المناسب سنأخذ الكثير من الذَّهب ونهرب.
لم يكن أمامي إلا مجاراتهما، فلا يوجد أحد بالقافلة يعرف أني أتظاهر بالغباء سواهما، وبإمكانهما فضح أمري، ولن أخسر إن اكتشفت ما خططا له، فسألته:
- وما هي خطتك؟ ومن سيشارك معك؟
قال:
- أنا وأنت وسلامة.
وأخذ يفصَّل في حديثه الخطة وعن الأشخاص الذين يفكر في ضمهم لاحقا إن استدعت الحاجة، لم أعلِّق، وحقيقة خطته كانت ذكية ومغرية، ولكن هذا العربي قد نسي أن قافلة تحمل معها كل هذا الذهب لن يغفل من يديرها عن أخذ كافة الاحتياطات، ربما لا نرى الحراسة ولكن هذا لا يعني أنها ليست قريبة، حتى لو جاريتهما وتعاونت معهما، من يضمن لي أنهما لن يقتلاني مع أول فرصة للتخلص مني! أفضل أن ألتزم بخطتي السانتورية على أن أثق بالعرب وأقامر بحياتي، لست في حاجة إليهم، ومن الحماقة أن أساعدهم على سرقة ذهبي، خطتي أذكى وحظِّي في النجاة والفوز بالذهب أوفر.
جاريتهما قدر المستطاع وحاولت أن أثنيهم وأثبِّط عزيمتهم، ولكن رشيد الأحمق أوهم نفسه بسهولة الأمر، وسلامة وافقه الرأي، وتجادلا في أفضلية حمل الذهب على حمار أم بغل، فعرضت عليهم ساخرًا أن نملأ جيوبنا ذهبًا ونهرب ونكون بذلك أخف وزنا، فردَّ عليَّ رشيد وكان جادا:
- ماذا يستطيع كل واحد أن يحمل؟ ألف...ألفان...خمسة آلاف قطعة؟ بغل واحد يستطيع حمل عشرات الآلاف.
وسألته:
- كيف تعرف أننا نحمل هذه الكمية من الذهب؟
فتطوع سلامة للرد:
- الصناديق التي نحملها كل يوم ثقيلة جدا، وأربعة منا يجاهدون في رفع صندوق واحد.
ثم أخرج من جيبه ليرة ذهبية وتابع:
- هل تتخيل كم ليرة مثل هذه يمكن أن تكون داخل الصندوق!
ورمى الليرة عليَّ وسأل:
- كم ليرة كهذه تستطيع أن تحمل يا عزيز؟
أجبته:
- ربما عشرة آلاف...عشرون، لا أعرف بصراحة.
فضحك وقال:
- جرة واحدة كانت ثقيلة ولم تستطعْ حملها، فكم يمكن أن تحوي بداخلها؟
وقلت:
- حملنا صناديقا ودفنا جرارا ولكن لم نر ما يثبت أن فيها ذهبا.
قهقه الاثنان معا لقولي، ورد رشيد:
- نعم فيها تراب وحجارة كالتي حملها روهان وحيان ها ها ها...
وانتقلنا من الحديث عن الذهب إلى ذكريات الماضي، وأخذ يروي لنا ما حدث معه حين انفصاله عنَّا ورافق القافلة التي سارت خلفنا، وقال:
- الحمد لله لولا ما حدث لربما كان مصيري مثل حسن رحمه الله.
وهنا سألته عن العلاقة بين حسن العربي والملازم حيان، فأخبرني أن حسن من أبناء أخواله، لم أستطع إخفاء دهشتي من روايته، ووجدت فيها الكثير من الأجوبة حول الشبهات التي تحيط بهذا التركي اللعين...أطل جودت من خيمته، ولاحظت أنه وقف يبحث في عينيه بين الموجودين، فوقفت ليتمكن من رؤيتي، وعندما أشار إليَّ بيديه من بعيد تركتهم وذهبت إليه، فطلب مني أن آخذ من يساعدني وأحضر له عدة جرار فارغة، فذهبت إلى حيث تم إنزال الحمولة عن الدواب، فوجدت أحجامًا مختلفةً لأعداد كبيرة من الجرار، لم أرغب في طلب المساعدة من أحد، وكان بإمكاني أن أحمل الجرار على حمار وأسير مسافة العشرة أمتار وأريح نفسي به، ولكن لابد لي أن أكون أحمقًا، ففضلت نقلها على دفعات.
وتطوع سالم وساعدني، وكنت على يقين بأنه الوحيد الذي يساعد بلا غرض، نقلنا العدد المطلوب من الجرار، ولاحظت أن جودت مشغول بإطعام فرسَه التي اعتاد ربطها جوار خيمته ليبقيها تحت نظره، ولم يسمح لأحد بالاقتراب منها، وبعدما انتهيت من نقل الجرار
ابتسم لي ولم يطلب مني إدخالها الخيمة ففهمت أن عليَّ الانصراف.
شمس الأحد تميل نحو الغروب، ويبدو أن الحسناء مازالت نائمة، وبيبرس خادم الكعب يشرف على توزيع حصص الطعام، والأمهق ينفخ ألحانه الحزينة التي أسرت عبد القادر، وعلى أنغام الناي يتنقل سلامة من شخص إلى آخر يستجدي الجميع من أجل الحصول على طعام لطبيلة، وقبل اقترابه مني سألته عن مدى معرفته بالخيل قبل أن يلقي التحية، وكان في جوابه ما يدل على خبرة واسعة، فرقَّ قلبي وكادت دموعي تنهمر حزنا وشفقة على الذي يقتات الأعشاب ويتضور جوعا، وتبرعت له بوجبتي كاملة، وكان لابد أن أشرح له عما أتمتع به من إنسانية، وقدَّر لي هذا الموقف الإنساني العظيم، ولم يعلم بأنه لو كان جاهلا بالخيل لما اكترثت لو مات طبيلة أمامي، وكان خروج روحه مع ألحان الأمهق الشجية.
طلبت منه أن يأخذ الطعام إلى فيله ويعود ليحدثني عن الخيل-وبخاصة العربي الأصيل- وكيفية الاعتناء بها، ولم أكتفِ بذلك، بل طلبت منه أن يدربني على ذلك، فاقتربنا من الخيول ولم يبخل على بالشرح والتعليم، ولم ينته الدرس إلا حينما لمحنا الدليل ومرافقه المسلح قادمين من بعيد، وكما جرت العادة تحركت القافلة لاقترابهما؛ فقد اجتمع الدليل مع جودت وتم استدعاء الكعب وصدرت الأوامر بفك الخيام وتحميل الدواب.
استغرق إعداد القافلة أكثر من ساعة، وأشرف جودت بنفسه على ذلك، أمَّا الكعب وفتاته فقد اختفيا فجأة، ولم يشرفا –كعادتهما- على تحميل متاعهما، وناب عنهما الخادم بيبرس، فتطوعت لمساعدته واغتنمت الفرصة لاشتمام رائحة ملابس نعناعتي الحسناء وضيَّعتُ فرصتي في التقرب إلى جودت بتحميل جِرار الذهب الموجودة في خيمته، وجر الحمار الذي سيحملها.
امتعضتُ كثيرا وشعرت أن سلامة قد اعتدى على حقوقي، ولم أجد طريقة أعبر بها عن استيائي إلا بصفع سلامة وركله على وجهه، وتوبيخه على إفساد خططي السانتورية، واختطاف الرسن منه وسوق الحمار، وقد فعلت ذلك في مخيلتي كعادتي. انشغلت بمراقبة جودت وفرسه نجمة، وبعد قليل رأينا أمامنا الكعب والفتاة يمتطيان الخيل ويبدو أنها سبقانا منذ وقت طويل، ولم أفهم السبب؛ فهل رغبا في نزهة بفردهما! أم أن الأمر خلاف ذلك!
توقفنا واصطحب الكعب سلامة ورشيد وخمسة آخرين، وتبعهم جودت والولد الأمهق، ولم أنجح هذه المرة بفرض نفسي والإسراع بالمبادرة وشعرت أن سلامة ورشيد قد أتقنا الدور أكثر مني، فتمنيت أن يسقطا في حفرة ويهلكا معا. لم يبتعدوا كثيرا عن الطريق؛ فكان بإمكاني سماع صوت الفؤوس تشق الأرض، كما استطعت تمييز ضربات مطرقة إيليا فعلمتُ أنه قد بدأ بنقش الرموز.
لم أجد صعوبة في رسم خارطة للتلة، فقد كان فيها مجموعة من الصخور تشبه الحوت، ومن خلال سماعي لضربات الفؤوس استطعت تقدير المسافة، ومكان الدفن، ومن الطبيعي ألا يكون ذلك بدقة متناهية، لذا سأحتاج في عودتي مستقبلا إلى مجهود أكبر، وفي أسوأ الأحوال لن يصيبني الفقر جراء فقدان عدد من الجِرار، ولكن أكثر ما يقلقني هو تخطيط سلامة ورشيد لسرقة ذهبي، والله وحده أعلم بمَن يفكر في الأمر غيرهم! أكاد أنفجر غيظا من مجرد التفكير في أن شخصًا ما سيتمكن من سرقة جرة ذهب واحدة، ولو كانت صغيرة.
أشغلني التفكير في الثراء ولم أنتبه لنعناعتي الحسناء وهي قريبة مني؛ ترجَّلتْ عن حصانها ووقفتْ تلامس عنقه، فوجدتها فرصة، واستجمعت شجاعتي واقتربت منها، ولاحظت أن سرج الحصان لم يتم شده جيدا، فأعدت شده كما تعلمت من سلامة...لم يفصلني عنها سوى الحصان، وخاب أملي كثيرا حينما لم أشتم رائحة النعناع تفوح هذه المرة، وقد كافأتني بابتسامة عذبة بريئة أضاءت النصف المظلم للقمر، وقالت:
- شكرا.
تلعثمت قليلا قبل أن أرد عليها:
- عفـ.. عفـ... عفـ...عفوًا...
قالت والابتسامة لا تفارقها:
- اسمي نيروز.
ارتبكت كثيرا فاعتقدت أني لم أسمعها، وكررت:
- أنا اسمي نيروز.
نظراتها شلتني، وشعرت برغبة في الهرب من عينيها وكدت أفعل لولا أن لساني انطلق دون أمري مسرعًا:
- أنا...أنا عزيز أفندي أستاذ وعالم آثار كبير والمسؤول عن...
لم تنبهر بالألقاب التي سردتها، وربما كان تسارع حديثي سببًا في امتناع فهمها، وقبل أن أعيد الكرة تريثتُ ولُمت نفسي للعودة إلى ممارسة أسلوبي الاستعراضي، وبالرغم من كونه لا يتناقض مع القواعد السانتورية إلا أني فضلت الابتعاد عنه، وقلت:
- أنا عزيز...أنا عزيز.
ابتسمتْ وقالت:
- وأنا نيروز.
أدهشتني براءة الأطفال التي فاضت من عينيها وأحزنني شكي في تظاهرها فعدتُ بذاكرتي واستعرضت مواقفها منذ اللحظة الأولى لقدومها، وعاودني مشهد عناقها الشهير للكعب، وتأكدت أن هذه الحسناء التي فاحت منها رائحة النعناع سابقا غاية في البراءة؛ وراقني ذلك وشعرت بتفوقي، وازداد طولي وانطلق لساني، وأخذت أحدثها عن خبرتي التي لا حدود لها بكل ما له علاقة بالخيل، وبخاصة الأصيل منها، فانبهرتْ لاتساع معرفتي، وشعرت بانجذابها، واكتشفت أن هناك أمورًا تشد الناس أكثر من الباشوية. كنت حذرا من أية حركة عفوية تصدر مني، بالرغم من استعدادي لأدفع حياة رشيد وسلامة مقابل دس أنفي بين نهديها لأشتم رائحتهما.
انتبهت لأصوات أنبأتني بعودتهم، فابتعدت قليلا عن نعناعتي حتى لا أستفز بيبرس، وعادت القافلة تشق طريقها مرة أخرى، وحين توقفت حرصت على أن أكون مُستعدًا، حتى لا أفوِّت الفرصة هذه المرة، لم نبتعد عن الطريق أكثر من خمسين مترا، وطُلب منا تحريك صخرة كبيرة، وبالرغم من الجهد الذي بذلناه إلا أننا لم نتمكن من ذلك، واستغل سلامة الموقف واستأذن أن يستدعي طبيلة لمساعدتنا، ولم يرق الأمر للكعب، إلا أن جودت سمح بذلك، وتحركت الصخرة، ولمع نجم طبيلة في مهمته، واستطاع سلامة أن يثبت أنه ليس عبئًا.
حفرنا عميقا، ونجح رشيد في سرقة الأضواء مني؛ حفر بنشاط وسبق الجميع إلى حمل الجرة، وفي محاولة غبية للتذاكي تعمد أن يهز الجرة أكثر من مرة دون سبب، وكأنه بحاجة لدليل على ما بداخلها من ذهب، فضحته عيناه وابتسامته البلهاء، ولابد أن الكعب اللعين الذي يراقب كل شيء قد لاحظ جيدًا. جميعهم كانوا حمقى وعيونهم كشفت عن نواياهم، وكل لفتة أو حركة كانت تشير إلى قيامهم بمسح للموقع، وإعداد خرائط تسهل عليهم العودة، وابتسامة صفراء من شفة الكعب الغليظة كانت تدل أنه لاحظ مَكر الجميع، باستثناء سالم الذي كان أبسط من أن يشغله أمرٌ يتعدى سوق الدواب وإطعامها، وعبد القادر المجرد من أي فضول، والذي اختار أن يقوم بالأعمال الوضيعة، كملاحقة القُراد، والتنظيف خلف الدواب، والبقاء برفقتها ليلَ نهار.
أعدنا الصخرة مكانها، وفاجأنا بيبرس بأن انحنى ليدوس الكعب على ظهره ويعتلي الصخرة، ويفرد عباءته ويقول:
- من منكم سيتطوع ليعطيني من دمه؟
>>>>>>>> نهاية الحلقة الخامسة عشر<<<<<<<<

コメント