تركتهم وانصرفت، ولم يشغل بالي إلا رباب الفاتنة، اشتقت إليها بالرغم من رؤيتي لها قبل قليل، وسيكون من غير اللائق أن أذهب إليها مرة أخرى، ولكن لا بأس إن رأيتها من بعيد.
تجولت وراقبت المكان، وكانت مشغولة مع بعض الخدم، وأفضل مكان يمكِّنني من مراقبتها ورؤيتها بوضوح كان بالقرب من طبيلة وسلامة، فذهبت إليهما ورحب بي سلامة، وأعطيته قطعة شوكولاتة، وأخبرته أني خبأتها من أجله، فشكرني وجلست بالقرب منه، وتجنبت الاقتراب من العملاق، قام سلامة وأعطى طبيلة قطعة الشوكولاتة، وقال له:
- (قل شكرا لعمك عزيز.)
ابتسم وقال:
- (سسرا عبي عنيز...)
لم أكترث للفظ طبيلة، فعيناي مشغولتان بمراقبة نهديها وقد برزا حينما رفعت يداها محاولة الوصول إلى غصن شجرة عالٍ نشرت عليه ثوبا ليجف؛ كان مشهدا مثاليا؛ اقتربت منها، تحسست خصرها، سافرت في عينيها، جذبت قدَّها في عنف، ألصقت شفتي بشفتيها، اعتصرت رحيقهما، تركت يدي اليمنى تقسو على نهدها، وأصابع اليسرى تزوغ بين شقي ردفها، فتأوهت وقالت:
- (عزيز أفندي... عزيز أفندي... روح لمالت.)
لم يكن صوتها، إنه خادم حقير أفسد حلمي، وهو يكرر الجملة نفسها، ابتسمت للخادم، وتمتمت:
- (يلعن أبوك وأبو ملط معك.)
ودعت حلمي الذي لم تكتمل نشوته، واستأذنت سلامة واعدًا بزيارة أخرى. وقصدتُ المخنث اللعين وأنا أعلم أن الدَّنس سيلطخ سمعتي ومكانتي لمجرد مروري بجانبه، فكيف وأنا أجالسه! كنت حذرًا ألا تراني رباب بالقرب منه فلا أحب أن ترتسم بخيالها صورة مشينة عن حبيبها عزيز أفندي. رحَّب بي الملط، وقال:
- تعال يا عزووو، اجلس بجانبي، لدي لك خبر سيفرح قلبك.
لم أمانع الجلوس ولا بأس بقليل من التحسيس، إن كنت سأقبض الثمن أخبارًا وأسرارا، حسس وأطال التحسيس وأخبرني بأن القافلة سترحل قريبا إلى شرقي الأردن، أخبار تافهة لا قيمة لها، وما كان يهمني إن ذهبتْ إلى الأردن أو مصر، لقد بدأ استمتاعي بالرحلة، ولتذهب القافلة إلى الجحيم مادامت ستتجنب الموت، ومادمت سأتمتع بما حُرمتُ منه...شعر بأن ما قدمه من معلومات لا يستحق كل هذا التحسيس، فرمقني بنظرة وقال:
- أتريد أن أرتب لك لقاء حميما معها؟
غمزني بطرف عينه كي أفهم أنه يقصد رباب، ثم قال:
- إنها رهن إشارتي، وستفعل ما أريد، هذا إن رغبتَ.
لم ترق لي الطريقة التي صور بها حبيبتي كعاهرة، وسألته:
- وماذا تريد بالمقابل؟
غمزني بطرف عينه وعض شفته، ففهمت ما يرمي إليه، ولمَّا حاولت أن أخوض في حديث آخر هز رأسه وقال:
- لا تهدر وقتك في مراقبتها، اذهب واجلس بجانبها، واترك يدك تلامس فخذها وستتفاجأ أنت بالنتيجة. كن جريئا واكتشفها.
يتخرع أمامي كفاجرة، وفي لين المومسات أشعل نار شهوتي تجاهها، ثم انصرف وتركني في حيرة...ما كنت أطيق النظر في عينيها، فكيف سأجرؤ على ملامسة فخذها! تبا له ولجرأته! ليته يعرف كم أنا خجول جبان!
دقائقٌ معدودةٌ حتى وقف ظل فوق رأسي، فالتفت لأرى رباب تحمل بيدها كوبًا من الشاي، وتجلس بجانبي وتقول:
- هذا الشاي من صديقك مالت، قال لي: إنك حزين، وبحاجة لمن تتحدث معه...ما بك يا عزيز؟
أسكرتني الفرحة بمجيئها، وشكرت الملط سرًا، وأخذت أسألها حول شخصيتها، وبلدتها التركية، ضحكت وقالت:
- أنا مصرية.
لم أصدق ما سمعت، واعتقدت أنها تمازحني، ولكنها فاجأتني وتحدثت بالعربية، وهي تضحك:
- (أنا مصرية يا عزيز أفندي.)
تنهدت سرًا:
- آهٍ كم أكره العرب وأهل مصر! ولكني أحبها حتى لو كانت مصرية.
تحدثنا بالعربية، وانتقدت طريقتي في نطق بعض الكلمات، وقالت بلهجة مصرية:
- (قدامك سكة طويلة لتتكلم العربي اللي هو، بس يلاَّ كلُّه مَحصَّل بَعضُه، المهم إنْ اللي بيسمعك يفهم، ولازم تعَوَّد لسانك على الكلام أكْتَر مِن كِده.)
تحترق الكلمات بين شفتيها، وتنطلق نحوي قبلا تضرم نار حرماني، الغنج أتعبني، والآهات أثملتني، لقد كان في نظراتها شيء يدعوني لأقترب، خُيِّل لي أنها همست:
- انظر حولك، لا يرانا أحد، انتهز الفرصة، فأنا بين يديك ماذا تنتظر!
ما عاد يريحني تقبيلها وملامسة جسدها في مخيلتي؛ تملكتني الشهوة، وهامت روحي تائهةً في مفاتنها، وذاب خجلي في لهيب اشتهائها، انسلَّت يدي متحسسةً فخذيها، أمهلتني لحظة إفاقتها من حقارتي، وبدلا من أن تتأوه رسمت على وجهي صفعة جرحت شفتي وخلخلت أحد أسناني؛ فتزامن سيلان دمي ونطفتي؛ غرق وجهي وبنطالي، وقد انتصبتْ تراقبُ رعشة إفاقتي، ورمتني بنظرة اخترقت جمجمتي ونفذت إلى الاتجاه الآخر:
- (يا ابن الكلب، الحركات دي تعملها مع أمك واختك.)
تركتني وانصرفت...تصنمت مكاني ومر دهر حتى صحوت من صدمتي، مرددًا:
- مِلط...عليك اللعنة أيها المخنث الحقير؛ لقد فعلت بي ما لم تفعله أشباح الموتى.
تذكرت مئات الصفعات التي رافقتني عبر سنين عمري، الكل يصفعني؛ في البيت، في الحي، في المدرسة. لعنة الله عليها وعلى العرب وأهل مصر ومعهم الملط المخنث.
تبين أن القدر قد ألقى بهذه المِصرية في طريقي لتكون إحدى اللعنات التي ستطاردني لوقت طويل، لم أجرؤ على الالتفات حولي، لأرى كم شخصا شاهد إهانتي، أحنيت رأسي، وانصرفت ولم يكن هناك شىء أحب إلى قلبي من الابتعاد عن هذه القافلة، أسرعت للبحث عن حيان، وسألته أن يسرع بهروبنا، ولا داعي لانتظار منتصف الليل.
طلب مني أن أصبر قليلا مفضلاً الهرب أثناء سير القافلة وما يصاحبه من ضجيج، ومادام الكل سيتحرك لن يسهل على الغربان مراقبة كل شيء، سنخترق الثغرات بأطراف القافلة لاستحالة حراستها من الأطراف أثناء سيرها بين التلال.
كانت الخطة تقتضي أن أتسلل ورشيدًا بِناء على إشارة حيان، فأقوم بمراقبة الطريق، ويسير رشيد بمحاذاة القافلة المُجبرة على السير البطيء، وأن نحرص التواصل الإشاري، وعند تيقني بأمن الطريق أعطي الإشارة لرشيد؛ فيتواصل مع حيان، ومن ثم يتسلل حيان مع البيك.
غربت الشمس وتحركت القافلة، ودق قلبي متسارعًا، وانتابني ذعر شديد، عبرنا طريقا تحيط بها تلال وأشجار، وعرة السير. يقترب مني رشيد وغمز بطرف عينه ليخبرني بساعة الصفر، كان جمال قريبا مني ولكني غافلته وتسللت بين الصخور، ولم يتبه إليّ أحد، ثم تبعني رشيد.
عدت إلى الخلف باحثًا عن مرتفع يمكِّنني من استكشاف الجهة اليمنى التي ننوي اختراقها، ويمشي رشيد بموازاة القافلة، محافظا على مسافة تسمح لنا بالتواصل، وبالرغم من أن القمر خسر ربع نورِه إلا أنني لم أجد صعوبة في التواصل معه في بادئ الأمر، ولكن عندما توغلت صعودا إلى أعلى التلة حُجبت الرؤية بفعل أغصان الشجر.
لم أتصور أن الطريق الصاعد بهذا الطول، ابتعدت كثيرًا ولم يفارق مسامعي دبيبُ حوافر الدواب ونحيحها، حجم القافلة وطولها وبطء حركتها يبقيني بموازاتها.
دقائق...وبين الأشجار لمحت رجلا يقصدني، فخلعت بنطالي مسرعًا، وقرفصت بحجة التغوط، فإذا بزنجي عملاق يقف فوق رأسي، ويراقب في صمت، لم يبعد عني ثلاثة أمتار فخجلت ورفعت بنطالي، وحين رأيت أسنانه تلمع أيقنت أنه ابتسم ولم ينتبه لنية هروبي، فركضت عائدًا إلى القافلة، وشعرت بالارتياح حين تأكدت أن رشيدًا قد انتبه لعودتي، وتبعني بعد دقائق.
اقتربت من حيان ولم أخبره بفشلي في الابتعاد عن القافلة، ولا بخدعة التغوط، بل أخبرته أني تسللت بين الأشجار ولمحت الكثير من الأغربة المسلحين يحيطون بنا، ويراقبون كل حركة، وكان هدفي إغلاق الطريق على أية محاولة جديدة يزجني بها، ويكون فيها هلاكي، فمخاطر الهرب تفوق مخاطر البقاء، ومازال في نفسي شيء من الشك في تصديق خطر البقاء، فهمس حيان للبيك وقال:
- الأمور أعقد من تصوري، ولابد أن أجد طريقة لطلب المساعدة من أصدقائي.
أسعدني أنه عدل عن فكرة الهروب، وليبحث عن طرق أخرى كيفما يشاء مادام ذلك سيتم بعيدا عني، القافلة تسير وكلٌّ منا يحتل موقعه تبعًا لطبيعة السير، فألفينا أنفسنا وسطها، لم يكن من السهل رؤية طليعة القافلة أو مؤخرتها، لا شيء مثير في المنتصف، فتباطأت ليتجاوزني مَنْ خلفي، ثم ارتدت مكانا يمكِّنني من المراقبة...لاحظت خروج عدد من الخدم عن القافلة، يجرون خلفهم حمارًا ويتوارون عن الأنظار، واستطعت أن أميز الملط بينهم بملابسه المزخرفة.
لم يمر الكثير من الوقت حتى طُلب منا أن نعتني بالدواب، ونأخذ قسطا من الراحة، وأشار الدليل إلى مواقع الماء؛ بئران يبعد الواحد عن الآخر ما يزيد عن المئتي مترًا، واستراحة الدواب تعني أننا سنحِلُّ وقتا كافيا للوصول إلى الماء، ولا داعي للتزاحم حول البئرين، ولكن من المُحال أن يكون هناك نظام حول ماء في مثل هذا الحر، وكانت الفوضى...
طلع فجر جديد، وكان ليمر مثل كل فجر سبقه، لولا إصرار طبيلة أن ينضم للمصلين، وقد تضاعف عددُهم بعد معركة الثلاثاء، وحاول سلامة ثنيه عن الصلاة، ولمَّا لم يفلح أمسك بيده وأوقفه في الصف الأخير، وما كان العملاق ليرضى بالصلاة بعيدًا عن صاحبه الإمام "سمامه" الذي لم يجد أمامه حلا إلا التنازل لجوهر ليؤم المصلين بدلاً منه، ويصطف بجوار العملاق في الصف الأخير.
همهمة طبيلة بين الحين والآخر تسببت في إضحاك بعض المراقبين...في هذه القافلة يندر التبسم، والعملاق الذي خافه الجميع بالأمس، أسعد مَنْ جاء لمراقبته الآن، وهو يقف بجوار سلامة يميل برأسه قليلاً ليلحظه ويقلده، وعند سجود سلامة ما كانت المساحة لتتسع لسجود طبيلة، فاصطدم رأسُه بمؤخرة سالم الذي سلبه خشوعُه إحساسَ ألمه؛ فأكمل صلاته حتى التسليم.
فجر الجمعة أشرقت فيه الابتسامات وانتشر الحب، وتلاشى الخوف، وكان الجميع يرغب في معانقة طبيلة الطفولي، أمَّا أنا فكنت أرغب في معانقة فتاة الكعب البغيض، التي انضمت لحشد المراقبين، وكانت قريبة بما يكفي لأتفحصها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها المغطاة بقطعتين من جلد نمر مُرقَّط؛ مثل هذا الخف لا تنتعله إلا من اعتادت قدماها لبس الحرير، وما كان لبنات العامة أن ينتعلن مثله، وسروالها حريري أخضر، مطرز بخيوط ذهبية، يعلوه ثوب أسود قصير لم يلق ركبتيها، تشطره فتحة من العنق إلى حزامٍ من الحرير الأصفر يشده إلى خصرها النَّاحل، يطالع من ورائه قميص مشدود يجسِّم صدرها الناهد، وشم عقرب يزين عنقها، وقد انسدلت منه سلاسل الذهب والفضة، رقيقة الشفة، امتد أنفها قليلا ليتناسق مع قسمات وجهها، عيناها بنيتان تراودهما لمحة حزن، يضم شعرها البني شريط من القماش الأسود، ينسدل بين كتفيها كذيل فرس جموح، يتدلَّى من كل شحمة أذن ثلاثةُ أقراط؛ واحد من الذهب واثنان من الفضة، كانت أطول مني قليلا.
خالطتنا وضحكت معنا دون كلفة، وجاملت الجميع دون تمييز، ورمتني بنظرة دافئة لامست شَغاف قلبي، فوقعت في غرامها، ليتني كنت أرتدي ربطة العنق وحذائي الإيطالي، لاقترب منها وأحدثها عن مكانتي الرفيعة! وما كان ليردعني وجود الجرو بالقرب منها لمراقبته وحراستها. يراودني شكِّي بوجود علاقة بين الجرو والجميلة. مرت بجانبي ولم تبعد عني مسافة ذراع، وفاحت منها رائحة النَّعناع، أسكرتني بعبقها وانصرفت...تركتني ولم تكن هناك رائحة في الوجود أحب إلى قلبي من رائحة النَّعناع.
أشرقت الشمس وفاحت معها رائحة النعناع، ونشرت نورها على قمم التلال، وانزلقت إلى الأسفل قليلا وما زالت الظلال تحيط بنا بانتظار وصول خيوط الشمس لتبددها. جودت وبرفقته أبو سعد ومن خلفهم الكعب وأحد الأغربة يقتربون من الجرحى؛ للاطلاع على حجم الإصابات وتحديد مَنْ سيبقى ومَنْ سيرحل، ولمَّا وصلوا إلى البيك، وطلب منه أبو سعد أن يستعد للمغادرة مع المصابين للعلاج، رفع روهان ذراعه المصابة عاليًا متظاهرًا بسلامتها، ونافيًا حاجتها إلى معالجة؛ يقول الكعب:
- (أحسن حبيبي تروح الحكيم وانت كبير بالعمر ولازم ارتاح.)
أصر على رحيله مع المصابين، ولكن روهان لم يرضخ وأعلن تمرده عن مرافقتهم، وأمام إصرار البيك امتعض الكعب وبدا أن أبا سعد سيجبره على مرافقة المصابين، فتدخل جودت وطلب منهم أن يتركوه ليكمل الرحلة مع القافلة، وافقوا على مضض وعيونهم تقدح تهديدا ووعيدا.
تم جمع المصابين واصطحابهم إلى جهة مجهولة، رافقهم اثنان من الفرق الخاصة، كان مثيرا للاستغراب ذلك الاهتمام المفاجئ بالجرحى بعد أيام من إصابتهم. يتردد في أذني ما قال الحذَّاء "حبيبي انت لازم ارتاح." ولكن وقتها لم أفهم نوع الراحة التي خطط لها.
ساعات تمر...ألاحظ بمرورها العديد من الاجتماعات الثلاثية في خيمة الملثم، تضم جودت وأبا سعد، يتلوها اجتماعات ثنائية بين جودت والكعب الأقل شأنا بينهم، تيقنت أن جودت هو الرأس الأكبر بين أربعتهم.
الملط كان يقف على بوابة الخيمة ككلب حراسة، وبجواره يقف الزنجي الضخم كالصنم، زوَّار خيمة الملثم أثاروا فضولي، ولم أتوقف عن مراقبتهم إلا حينما لمحت جميلة الكعب تتمشى برفقة الجرو وقد أطلقت شعرها، وكانت ترتدي ثوبا من الحرير غلب عليه اللون الفضي، يشبه ما ترتديه بنات السلاطين.
كان واضحًا أني لو فتشت حقائبها لوجدت الكثير من الأحذية الثمينة الشبيهة بخفها المطرز، الذي لم تعبأ به خطواتها اللامسؤولة بين حجارة الوادي، ألم يكن بإمكانها أن ترتدي حذاءً خشنًا يناسب شراسة الوادي! لابد أنها فاحشة الثراء لتعذب هذا الخف الجميل بهذه الوحشية التي لا تناسب رقتها.
ابتسامتها لم تكن ثمينة، فهي تمنحها للجميع دون كلفة، وهذا لا يليق بمكانتها وخفها الراقي، تواضعها أثار سخطي كثيرا، واجتاحتني رغبة في توبيخها لتتوقف عن توزيع الابتسامات على الرعاع والأوغاد، الجرو يرافقها ولم يخفَ أنه يتعذب بعشقها، وكأن ذلك محرم عليه، هو حريص على السير بجوارها، وكلما سبقته بخطوات أشاح ببصره؛ كي لا يصيب مؤخرتها، يجاهد عينيه عن النظر إلى جسدها، وكأنها تسير بجواره عارية، وهذا أثار استغرابي قليلا.
لم أتوقف عن المراقبة ويبدو أن عيني قد أصابت الأميرة وخفها الجميل، فتعثرت وسقطت فوق جمال الذي لم ينفك عن النظر إليها مُذ رآها، وفي وقاحة مبتذلة ساعدها في النهوض تاركا يده تتحسس خصرها وردفها، وبدلا من أن تصفعه، كافأته بابتسامة عريضة، شعرت بالغيظ لأني لم أكن مكانه لتتعثر وتسقط فوقي، ثم لأكون أشد وقاحة من جمال.
غيمة سوداء مرت فوق رأسي حجبت عني نور الشمس، وأنا مستلقٍ أراقب وأغرق في ملذات أحلام يقظتي، رفعت عيني وإذا بالمارد اللعين يقف فوق رأسي كشجرة تيبست واسودت وما زالت متمسكة بالأرض، وكأنها تنتظر معجزة الحياة، أخذ يتفحصني ثم هز رأسه القبيح، ارتعب قلبي وكدت أفقد وعيي، حينما اعتقدت أنه ولج عقلي ورأى كيف عرَّيت فتاته من ملابسها، وسرعان ما اطمئن قلبي عندما انتقل إلى آخر ليتفحصه، ولم يتوقف عن تفحص الجميع بنفس الطريقة.
استلقى الجميع على الأرض كأفراس نهر أتخمها الشبع وشرب الماء، أو كالنعاج في قيلولتها؛ كلٌّ ارتمى بجثته حيث أراد؛ يتظلل بصخرة أو بقايا شجرة، واجتمع البعض لصلاة الظهر، وانضم إليهم حيان ورشيد، سبحان الله! هذه القافلة غزاها الإيمان، وعدد المؤمنين يزداد يومًا بعد يوم، ولن أتفاجأ إن رأيت البيك يؤمهم في إحدى الصلوات.
لم يتوقف المارد عن مراقبتنا، وفي الجهة الأخرى وقف عشرة أغربة ضخام الجثث، قبيحي الوجوه، لم أجد تفسيرًا لوقوفهم على مقربة منا، وفور انتهاء صلاة الظهرعاد الكعب المسخ يجول بيننا من جديد، ويشير بإصبعه الطويل تجاه من يقف بجانبه، ويقول:
- (انت جهز نفسك لتأتي معي، وانت، وانت.)
اختار أكثر من عشرة خراف، وكرر ما قاله أكثر من عشر مرات.
صعقني حين اقترب مني، وقال:
.......
<<<<<<نهاية الحلقة الرابعة عشر>>>>>>>>>>>
Comments